تضامن المغاربة مع فلسطين يعكس الروح الديمقراطية للمملكة المغربية
في زمن تتراقص فيه المعايير الدولية على أوتار المصالح وتضيع فيه أصوات المظلومين وسط ضجيج المواقف المتناقضة، يثبت المغرب مرة أخرى أنه وطن لا يشترى ولا يباع، المظاهرات الشعبية التي اجتاحت مدنه الكبرى دعما لفلسطين لم تكن مجرد استجابة عاطفية، بل كانت صرخة مدوية تنبض بوجدان شعب يعي جيدا أن القضية الفلسطينية ليست مجرد نزاع جغرافي، بل معركة شرف إنساني وحق تاريخي.
حين نزل المغاربة إلى الشوارع، لم تكن شعاراتهم كلمات جوفاء، بل كانت امتدادا لجينات حضارية تستمد قوتها من تاريخ طويل من الدعم الثابت للقضايا العادلة، من طنجة إلى الگويرة، مرورا بمراكش والدار البيضاء، أصبحت المدن المغربية منصات ترفع عليها أعلام فلسطين، وتسمع فيها هتافات ترفض الظلم وتدين الاحتلال.
ما يميز هذه المسيرات ليس فقط زخمها، بل طبيعتها العفوية التي تؤكد أن القضية الفلسطينية تسكن في قلب كل مغربي، بغض النظر عن عمره أو طبقته الاجتماعية، إنها شهادة حية على ديمقراطية ناضجة، تعكس شرف شعب يقف مع الحق، مهما اشتدت الضغوط.
على المستوى الرسمي، أظهرت المملكة قدرة مدهشة على تحقيق التوازن في مواقفها، فمنذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة، دعت إلى وقف فوري لإطلاق النار، وفتح ممرات إنسانية لإنقاذ أرواح المدنيين الفلسطينيين الذين يعيشون في جحيم لا يطاق، هذه الدعوات ليست مجرد بيانات بروتوكولية، بل جزء من استراتيجية دبلوماسية متجذرة في القيم الإنسانية.
سفيرة المغرب في فرنسا، سميرة سيطايل، ألقت الضوء على هذا الموقف الحكيم حين وصفت المظاهرات الشعبية بأنها رائعة للغاية وشهادة عظيمة على شرف الشعب المغربي، وفي الوقت نفسه، أكدت أن المملكة المغربية مستمرة في دعمها لحل الدولتين، باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق سلام عادل وشامل.
إعادة العلاقات بين المغرب وإسرائيل في عام 2020 لم تمر دون جدل داخلي، ففي الوقت الذي ترى فيه الحكومة أن هذه العلاقات تفتح أبوابا للحوار وتتيح إمكانية التأثير الإيجابي، يرى جزء كبير من الشعب المغربي أن استمرارها في ظل الجرائم الإسرائيلية هو خيانة لروح القضية الفلسطينية.
رغم ذلك، أظهرت الدبلوماسية المغربية براعة استثنائية في استخدام هذه العلاقة كأداة ضغط، فإرسال المساعدات الإنسانية إلى غزة عبر الطرق البرية هو مثال حي على أن المملكة تستطيع ممارسة تأثيرها بأسلوب هادئ لكنه فعّال، وكما أشارت السفيرة سيطايل، فإن المملكة لا تحتاج إلى كاميرات لإثبات مواقفها، أفعالها على الأرض هي أكبر دليل على التزامها.
في كل محطة من هذا النزاع الطويل، يتجدد صوت جلالة الملك محمد السادس كزعيم عربي يجمع بين الحكمة والشجاعة، بإعادة التأكيد على دعم المملكة الثابت لحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، كما يظهر أن القضية الفلسطينية ليست ملفا سياسيا عابرا، بل أمانة حملتها المملكة المغربية على عاتقها منذ عقود.
في رسالته الأخيرة إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، قدم جلالة الملك درسا في الثبات السياسي عندما شدد على أن دعم المملكة المغربية لفلسطين يستند إلى الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة، وليس إلى حسابات آنية أو مصالح مؤقتة.
بين شوارع تصدح بالحياة ودبلوماسية تتسم بالحكمة، يبرز المغرب كنموذج لدولة ومملكة تعرف كيف تجمع بين مبادئها وقوتها الناعمة، وفي عالم فقد بوصلته الأخلاقية، يظل المغرب منارة تنير طريق النضال من أجل العدالة والسلام، إذا كان هناك درس واحد يمكن للعالم أن يتعلمه من المملكة، فهو أن القيم الحقيقية لا يمكن أن تشترى أو تباع، حين تكون لديك قضية عادلة، فإن كل صوت يرفع، وكل خطوة تخطى، هي بمثابة شهادة على إنسانيتنا المشتركة.