الهوية المغربية متعددة الروافد تتألق في معرض الشارقة للكتاب
تجاذب نخبة من المثقفين والأكاديميين المغاربة أطراف الحديث حول مكونات الهوية المغربية وأبعادها الثقافية المتعددة، وذلك ضمن فعاليات الدورة الـ43 من المعرض الدولي للكتاب بالشارقة، التي ينظم من السادس إلى السابع عشر من نوفمبر الجاري تحت شعار “هكذا نبدأ”، الذي حلّت فيه المملكة المغربية ضيف شرف، اللقاء الذي جرى تحت عنوان “الهوية المغربية”، أدارته أسماء ثقافية بارزة، مثل الأكاديمية رحمة بورقية، والمؤرخ جامع بيضا، والأديب عبد الإله بنعرفة، بإشراف الأكاديمي عمر حلي.
استعرضت الأكاديمية رحمة بورقية نصوص الدستور المغربي لسنة 2011 التي عرّفت المملكة كدولة ذات سيادة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وتحتفي بتنوع مكونات هويتها التي تشمل العربية والإسلامية والأمازيغية والصحراوية الحسانية والروافد الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية، وأشارت بورقية إلى أهمية المحافظة على هذا التلاحم في ظل عراقة وتنوع الروافد الثقافية المغربية، مبرزة أن المغاربة يحتفظون بما يكوّنهم من هذا الإرث الغني، وهو ما يجعلهم قادرين على التكيف واحترام الحضارات الأخرى.
وفي هذا السياق، قالت بورقية إن فكرة الدولة هي إحدى القيم الثابتة في التاريخ المغربي، ولا تقتصر فقط على الحكومات المتعاقبة بل تتجلى كمفهوم يجمع المغاربة ويوحّدهم.
من جانبه، تطرق المؤرخ جامع بيضا إلى ما وصفه بـ”الهوية الجماعية” التي تشكلت على مدى قرون، مشيرا إلى مزيج التقاليد الدينية والثقافية العميقة التي تميز المجتمع المغربي، واستعرض بيضا الإرث الذي يجمع آثار الفينيقيين والرومان والنقوش الأمازيغية العريقة في شالة ووليلي وبناصا، والتي تعود إلى قرون قبل الميلاد، مشيدا بجهود المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في إحياء لغة وتقاليد همشت لفترات، وأضاف أن “الهوية المغربية هي فسيفساء جمالية تتألف من تنوع أجزائها، التي تتكامل لتشكل كيانا متينا قادرا على التعايش والتفاعل مع الثقافات الأخرى.”
وأشار إلى عرض جمجمة “أقدم إنسان عاقل” اكتشف في منطقة اليوسفية، والتي تعود إلى ما لا يقل عن 300 ألف سنة، كمثال على امتداد الهوية المغربية العميق عبر التاريخ، إذ قال “هذا ليس فقط لإثبات وجودنا عبر العصور، بل لتأكيد امتلاكنا لجذور تستمر في تكوين شخصيتنا الوطنية حتى اليوم.”
تناول الروائي عبد الإله بنعرفة مفهوم “الشخصية المغربية”، متسائلا عن حقيقة وجودها ومؤكدا أنها تستمد عناصرها من التاريخ والأدب واللباس وحتى الفكر، واستشهد بكتابات ابن عربي التي وصف فيها المغرب “بأهل الأسرار” مبرزا جانب العمق الصوفي والحكمة التي تميز المغاربة، ومشيرا إلى “إمارة المؤمنين” كرمز جامع للشخصية المغربية ليس فقط على المستوى الوطني بل الكوني.
شارك في النقاش أيضا الناشط الحقوقي مصطفى المانوزي، مشيرا إلى أهمية الاكتشافات الأثرية المستمرة في تكوين الهوية المغربية، ومعتبرا أن المقاومة الوطنية للاستعمار جزء أساسي من الشخصية المغربية، وأضاف الروائي ووزير الثقافة السابق محمد الأشعري رأيه حول ضرورة الاستمرار في استكشاف مكونات الهوية المغربية المتعددة، التي تشكلت بمرور الزمن، مشيرا إلى فقدان بعض العناصر الهامة في خطاب الهوية بعد سنوات من النضال ضد الاستعمار.
من جهة أخرى، اعتبر أحمد بوكوس، عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أن الدستور المغربي يطرح مفهوم الهوية بشكل يتطلب نقاشا أعمق حول علاقة المكونات الأساسية مع الروافد المختلفة، مقترحا إعادة النظر في مفهوم الرافد الأندلسي وتحليله في سياق تاريخي وثقافي أشمل.
في ظل النقاشات الغنية والمتعددة الرؤى، أبرز هذا اللقاء الدور الريادي للثقافة المغربية في التفاعل الحضاري، من خلال احتضانها لتعددية عريقة تعدّ مرجعا للتعايش والانفتاح على الثقافات الأخرى، حيث تمثل المملكة، كما ذكر الحاضرون، نموذجا متفرّدا للتعايش والانفتاح، ورمزا تاريخيا غنيا يمتد بجذوره عبر العصور.