برلمان الطفل يفضح قصور الحكومة في التعليم والصحة
في مشهد قلَ أن يتكرر داخل أروقة السياسة المغربية، كشف برلمان الطفل خلال جلسته الوطنية 2025/2023 عن جرأة استثنائية تعري أوجه القصور الحكومي وتبرز وعيا سياسيا يقلق كبار المسؤولين، من خلف منابرهم الصغيرة، انطلق الأطفال البرلمانيون بأسئلة مباشرة وأحيانا لاذعة، تضع الوزراء في مواجهة محرجة مع واقع مزر يخالف خطاباتهم التجميلية.
أحد أكثر اللحظات صدامية كان سؤال طفلة برلمانية لم تجد حرجا في مواجهة الوزراء حول اختيارهم التحدث باللغة الفرنسية، في ظل دستور ينص بوضوح على اعتماد العربية والأمازيغية كلغتين رسميتين، السؤال كان كاشفا لمدى تناقض الحكومة التي تفاخر بهويتها الوطنية بينما تهمشها في المنابر الرسمية، حاول الوزير يونس السكوري التهرب بالحديث عن مصطلحات تقنية تفرض استخدام الفرنسية، لكن مبرراته كانت أوهى من أن تقنع عقل الطفلة أو الحضور، لتبقى علامات الاستفهام قائمة حول مدى احترام الحكومة للدستور.
انتقل الأطفال البرلمانيون إلى قضية التعليم، ليسائلوا وزير التربية الوطنية محمد سعد برادة عن تجربة مدارس الريادة، وبرغم الأرقام التي قدمها الوزير، 600 مدرسة و320 ألف مستفيد، لم يستطع الرد على الانتقادات الجوهرية حول غياب العدالة في توزيع الفرص التعليمية، ماذا عن باقي أطفال المغرب؟ هل أصبح التعليم امتيازا لنخبة معينة؟ أسئلة كهذه لم تجد سوى وعود مكررة بالتوسيع في المستقبل، وعود تذكّر المغاربة بخيبات أمل سابقة.
وفي محور الصحة، لم يكن وزير الصحة أمين التهراوي أفضل حالا، أسئلة حول خطط الوزارة للاهتمام بالصحة النفسية للأطفال، خاصة في المدارس، كشفت ضعف الرؤية الحكومية، تحدث الوزير عن مراكز تكوينية وخدمات استشارية متخصصة، لكنه عجز عن تقديم تفاصيل ملموسة حول التنفيذ، مما ترك انطباعا واضحا بأن القضية ليست ضمن أولويات الحكومة.
ما حدث في برلمان الطفل ليس مجرد جلسة رمزية، بل جرس إنذار ينبه الطبقة السياسية إلى أن جيلا جديدا يتشكل. جيل يعرف حقوقه، لا يخشى المواجهة، ولا يقبل التلاعب بالوعود، مشهد الأطفال وهم يحاصرون الوزراء بأسئلة دقيقة وبلغة سليمة، يفضح عيوب السياسات الحكومية ويعكس عمق الفجوة بين وعود المسؤولين وواقع المواطنين.
إذا كان برلمان الطفل مجرد تدريب ديمقراطي، كما قد يراه البعض، فقد تجاوز ذلك بمراحل، ما قدمه الأطفال البرلمانيون في هذه الجلسة رسالة صريحة للحكومة، بأن الهوية الوطنية ليست موضوعا للتفاوض أو التجاهل، والتعليم حق لجميع أطفال المملكة المغربية، لا مشروعا انتقائيا للنخبة، إضافة الى أن الصحة النفسية ليست رفاهية، بل ضرورة قصوى.
هل ستستوعب الحكومة هذه الرسائل؟ أم أنها ستواصل سياسة الآذان الصماء؟ ما هو مؤكد أن جيل اليوم لن يقبل بأقل من الحقيقة والإنجاز، ولن يكتفي بالأعذار أو الوعود.
إذا كانت الشجاعة هي الاعتراف بالخطأ وتصحيحه، فإن شجاعة الحكومة اليوم على المحك، برلمان الطفل كشف الكثير، والكرة الآن في ملعب الوزراء، هل يستجيبون بمصداقية، أم يتركون المشهد السياسي يغرق أكثر في متاهات التبرير؟