المغربية زينب الغزوي.. حرية التعبير في فرنسا مجرد خدعة
في عالم يشهد تحولات متسارعة على صعيد القيم والمبادئ، تتساقط الأقنعة عن وجوه الأنظمة التي كانت تتشدق بالديمقراطية وحقوق الإنسان، واحدة من هذه الحكايات الملهمة التي تضع المرء أمام تساؤلات عميقة، هي قصة الصحفية والكاتبة ذات الأصول المغربية، زينب الغزوي، التي جرت خلفها أضواء الإعلام، بسبب تصريحات صريحة فاجأت الجميع، إلا أن محاكمتها اليوم تفتح بابا جديدا من التساؤلات حول حرية التعبير في فرنسا.
الحديث هنا ليس عن أي تصريح عابر، بل عن رأي نابع من تجربة شخصية وواقعية عايشتها الكاتبة عبر سنوات من المساعي الصحفية المستمرة، ففي مقابلة صحفية جريئة، وصفت زينب الغزوي إسرائيل بـ”الدولة الإرهابية”، واعتبرت حركة حماس “حركة مقاومة فلسطينية”. تلك الكلمات التي أطلقتها لم تكن سوى تعبير صادق عن موقفها، كما قالت، بخصوص حرب الإبادة التي تمارس بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
لكن لم يكن توقيع هذه التصريحات مجرد تعبير عابر عن مواقف شخصية، بل كان بمثابة إعلان عن مقاومة صامدة ضد محاولات إسكات الأصوات التي تجرؤ على قول الحقيقة، فالمتابعة القضائية ضد الغزوي من قبل وزير الداخلية الفرنسي جاءت لتجسد واقعا مرا، يعكس الجهود المستمرة لقمع أي صوت يعارض السياسات الغربية، وخاصة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية. وفي بيانها، أكدت الصحفية أن ما حدث ليس سوى محاولة بائسة لإخفاء الانهيار الأخلاقي الذي يعاني منه العالم اليوم بسبب الجرائم المستمرة ضد الشعب الفلسطيني.
لكن في هذا السياق، لا يمكن للمرء إلا أن يتساءل: أين حرية التعبير التي طالما تشدقت بها الدول الغربية؟ أين حقوق الإنسان التي تسعى هذه الدول إلى تصديرها للعالم؟ فالمسألة لم تعد متعلقة بموقف سياسي فقط، بل بمسألة وجودية تتعلق بالكرامة الإنسانية وحق الشعوب في مقاومة الاحتلال.
زينب الغزوي، التي تحمل في قلبها هموم الوطن الفلسطيني، وصفت الواقع الفرنسي بأنه مخيف، مشيرة إلى تزايد القمع والمضايقات التي يتعرض لها أي شخص يتضامن مع الفلسطينيين، وأضافت أن فرنسا، التي لطالما تباهت بأنها منارة الحرية، باتت اليوم تلعب دور المحور الأساسي في دعم المحرقة التي يمارسها الكيان الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، كما أكدت أن الصمت الغربي إزاء تلك الجرائم ليس مجرد عجز، بل هو دعم غير مباشر لها.
ورغم الصعوبات التي تواجهها، ترى زينب أن هذه الحملة ضدها لا تقتصر عليها شخصيا، بل هي جزء من حملة واسعة تهدف إلى سحق الأصوات المعارضة التي ترفض الانصياع للسياسات الاستعمارية الجديدة، هذه الحملة التي تشمل الاعتقالات والتضييقات على المدافعين عن حقوق الشعب الفلسطيني، تمثل أكبر انتهاك لحرية التعبير في عصرنا هذا.
ما تعيشه زينب اليوم ليس سوى تجسيد لحالة من الازدواجية التي يعيشها العالم، حيث تختزل حرية التعبير في إطار ضيق يضمن عدم الخروج عن الإجماع الغربي، وفي هذا السياق، تأتي كلمة المساواة التي تطلقها فرنسا على الدوام، لتكشف عن تناقضات كبيرة في تعاملها مع الأقليات والمهاجرين، والذين، رغم حقوقهم، يطاردون كلما رفعوا أصواتهم للدفاع عن قضايا عادلة.
إن زينب الغزوي ليست مجرد صحفية تدافع عن القضية الفلسطينية، بل هي رمز للتحدي والإصرار على قول الحقيقة، وفي معركتها القانونية ضد التهم التي وجّهت إليها، فإنها تكشف عن واقع أليم يعيشه كل من يقف في وجه القوى الاستعمارية الحديثة، التي تحاول تصوير نفسها كمدافعة عن الحريات، بينما هي في الواقع تعزز قوى الظلم والاستبداد.