مستقبل الديمقراطية في المملكة المغربية: قراءة في التعديلات الدستورية الأخيرة
العدالة تحت المجهر: التعديلات القانونية المغربية وتداعياتها على استقلال القضاء.
في خضم التغييرات السياسية التي تشهدها المملكة المغربية، تبرز التعديلات الأخيرة على قانون المسطرة المدنية كمحور رئيسي في النقاشات القانونية والسياسية، تعد هذه التعديلات، التي صادقت عليها الغرفة الأولى من البرلمان في 23 يوليوز 2024، خطوة هامة تتطلب تحليلا دقيقا لفهم أبعادها وتأثيراتها المحتملة على النظام القانوني في المملكة.
تتضمن التعديلات التي تم تمريرها إدخال مادة جديدة (المادة 17) تمنح النيابة العامة صلاحية طلب التصريح ببطلان أي مقرر قضائي قد يتعارض مع النظام العام، ولكن، ما يثير تساؤلات عدة هو الطريقة التي تم بها تمرير هذه المادة، إذ لم تعرض على لجنة العدل والتشريع كما هو متوقع، وهو ما يعكس خرقا واضحا للمساطر الدستورية المعتمدة.
المادة 17 الجديدة قد تثير إشكاليات قانونية ودستورية، لاسيما في ما يتعلق بصلاحيات النيابة العامة وتأثيرها على استقلال القضاء، إن منح النيابة العامة هذا الصلاحية الجديدة يعكس تحولا كبيرا في كيفية التعامل مع الأحكام القضائية، ويثير تساؤلات حول مدى استقلال القضاة وقدرتهم على اتخاذ قرارات دون تدخلات خارجية.
من الواضح أن التعديلات تمثل نقطة تحول في العلاقة بين النيابة العامة والقضاء، فبدلا من تقديم الطعون من قبل الأطراف المتضررة فقط، يمكن للنيابة العامة الآن أن تتدخل مباشرة في الأحكام القضائية التي تعتبرها مخالفة للنظام العام، هذا التغيير قد يعزز من قدرة الدولة على ضمان تنفيذ القوانين بشكل فعال، لكنه في الوقت نفسه قد يفتح المجال لتدخلات سياسية تؤثر على نزاهة القضاء.
قد يعكس هذا التعديل أيضا رغبة الحكومة في تعزيز دور النيابة العامة كأداة لضمان تنفيذ القوانين، لكن التساؤل الأبرز هو: هل سيؤدي هذا التعديل إلى تعزيز سيطرة السلطة التنفيذية على النظام القضائي؟ أم أنه سيساهم في تحقيق العدالة من خلال ضمان أن جميع الأحكام القضائية تتماشى مع النظام العام؟
من المهم أن تتبع المملكة المغربية خطوات حثيثة لضمان التوازن بين صلاحيات النيابة العامة واستقلال القضاء، يجب أن تظل مساطر التعديلات القانونية واضحة وشفافة لضمان عدم استغلالها في التدخل في شؤون القضاء أو التأثير على الأحكام القضائية.
في نفس السياق، أكد جلالة الملك محمد السادس في أحد الخطابات السامية، على أن القضاء هو ضمير الأمة، ويجب أن يحترم ويتحلى بالنزاهة والحياد، هذا التأكيد يعكس التزام الملك بتعزيز استقلالية القضاء كركيزة أساسية للدولة الحديثة ولحماية الحقوق والحريات، وقد شدد على ضرورة توفير الضمانات اللازمة للقضاة لكي يتخذوا قراراتهم بحرية كاملة، بعيدا عن أي ضغوطات أو تدخلات.
كما أن النقاش العام حول هذه التعديلات يجب أن يكون مفتوحا وموضوعيا، بحيث يمكن لجميع الأطراف المعنية التعبير عن آرائها وتقديم ملاحظاتها لضمان أن أي تعديلات على النظام القانوني تظل متوافقة مع المبادئ الديمقراطية وتضمن حماية حقوق الأفراد.
في نهاية المطاف، يبقى الأمل معقودا على أن يسهم هذا التغيير في تعزيز العدالة والمساواة في النظام القانوني المغربي، وأن يتم تطبيقه بما يتماشى مع رؤية جلالة الملك محمد السادس ومع تطلعات الشعب المغربي نحو تعزيز دولة الحق والقانون والعدالة الاجتماعية.