في ظل تصاعد التحذيرات من استنزاف الثروة السمكية في المملكة المغربية، أطلق الخبير الدولي في الاقتصاد الأزرق، الأستاذ محمد الناجي، تصريحات تكشف حجم الفساد الذي ينخر هذا القطاع الحيوي، فمن غير المقبول أن يتمتع المغرب بشريط ساحلي يمتد على أكثر من 3500 كلم، بينما يجد المواطن المغربي صعوبة في اقتناء السمك، بل إن بعض المناطق الجبلية والأرياف لا تصلها هذه الثروة البحرية إلا نادرا.
يشكل القطاع البحري في المملكة ركيزة أساسية في الاقتصاد الوطني، حيث يوفر فرص عمل لآلاف المغاربة ويساهم في تحقيق الأمن الغذائي، إلا أن الفساد المستشري، كما أشار الناجي، يهدد بتبديد هذه الثروة الوطنية لصالح شبكات مصالح ضيقة، مما يجعل الأسماك التي ينبغي أن تكون في متناول الجميع، حكرا على فئات معينة أو موجهة إلى التصدير، دون مراعاة حاجيات السوق المحلية.
من المؤسف أن الفساد في هذا القطاع لا يتوقف عند حدود استنزاف الثروة السمكية، بل يمتد إلى تحايل بعض الشركات على القوانين البيئية، وعدم احترام فترات الراحة البيولوجية، ما يؤدي إلى تراجع المخزون السمكي وارتفاع الأسعار بشكل غير مبرر، إن ما وصفه الدكتور محمد بـ”لوبيات الفساد التي لا تقيم وزنا لأي قانون” يعكس حقيقة مرة، حيث يبدو أن بعض المتنفذين نصّبوا أنفسهم فوق القانون، مستفيدين من ضعف الرقابة وغياب المحاسبة الصارمة.
لقد دق الخبراء ناقوس الخطر مرارا وتكرارا، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: هل من إرادة سياسية حقيقية لمواجهة هذا النزيف؟ هل يتحرك المسؤولون لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان، أم أن الفساد أضحى متجذرا إلى درجة تجعل مكافحته شبه مستحيلة؟
إن الأمن الغذائي للمغاربة ليس رفاهية، بل ضرورة استراتيجية تستدعي تدخلا حاسما، يقطع الطريق أمام شبكات الفساد التي تهدد ثروات البلاد ومستقبل أجيالها القادمة، فإما أن تتحمل الدولة مسؤوليتها في حماية هذه الثروة الوطنية، أو أن يستمر مسلسل النهب بلا هوادة، حتى يصبح السمك في المملكة ذكرى من الماضي!