مغرب الحضارة في مواجهة تحديات القيم والثوابت
في ظل التحولات الثقافية والاجتماعية التي تعيشها المملكة المغربية، يشكل مقال عزيز الرباح “مغرب الحضارة: حذار، هناك أفاعي في البيت”، الذي صدر بتاريخ 3 دجنبر 2024، مرآة صادقة تعكس قلقا مشروعا بشأن الهوية الوطنية وقيم المجتمع المغربي، يقدم قراءة ناقدة لما يراه الرباح محاولات ممنهجة للنيل من ثوابت المملكة وقيمها.
أحد المحاور البارزة التي أشار إليها رباح هو انسحاب الجمهور من قاعة عرض في مهرجان بمراكش احتجاجا على مشاهد وصفها بأنها تمس القيم المغربية، هذا السلوك، كما يراه الكاتب، يعبر عن ضمير وطني يقظ ورسالة واضحة للمنظمين بأن المجتمع المغربي لن يقبل بما يخالف ثوابته وقيمه الحضارية.
يطرح المقال تساؤلات هامة حول حدود الفن والواقعية في سياق التقاليد المغربية، بينما يرى الكاتب أن الفن والإعلام والثقافة قد باتت ساحات للتسلل ونشر ما يصفه بالانحطاط، لا يمكن إنكار وجود تيارات إصلاحية وإبداعية تعمل على تقديم صورة مشرقة عن “مغرب الحضارة”، لكن هل يمكن الفصل بين حرية التعبير والحفاظ على القيم المجتمعية؟ وكيف يمكن تحقيق هذا التوازن دون المساس بأحد الطرفين؟
أشار المقال إلى تيار عالمي يسعى لتفكيك الهوية الوطنية وإضعاف المجتمعات عبر التأثير على الفن والإعلام والتعليم، هذا الطرح يفتح الباب لمناقشة أعمق حول تأثير العولمة في تغيير أنماط الحياة والقيم، هل ما نشهده اليوم هو صراع طبيعي بين الأجيال والقيم المتجددة؟ أم أنه تهديد ممنهج يتطلب تدخل الدولة والمجتمع المدني؟
إن القلق الذي عبر عنه عزيز الرباح لا يجب أن يفسر كرفض للفن أو للإبداع، بل كدعوة لإعادة التفكير في أدوار المؤسسات الثقافية والإعلامية، كما يجب على الدولة، بدعم من المجتمع المدني والمثقفين، أن تشجع على إنتاج أعمال تعكس الهوية المغربية بكل تجلياتها، مع تعزيز قيم الانفتاح والاعتدال.
في النهاية، تبقى المملكة نموذجا فريدا في المزج بين الهوية والانفتاح، وللحفاظ على هذا التوازن، لا بد من حوار وطني شامل يشمل جميع الفاعلين في المجال الثقافي والإعلامي، بهدف صياغة رؤية مستقبلية تعزز القيم دون قمع الحريات، وكما أشار الكاتب، فإن للوطن حرمته، وللقيم حماة يذودون عنها، لكن هؤلاء الحماة بحاجة إلى خطاب يجمع ولا يفرق، يبني ولا يهدم.