قضايا دولية

فلسطين.. معركة الوجود والعدالة في زمن العنف الدولي

شارك المقال

في قلب الشرق الأوسط، حيث تتصادم الأيدولوجيات والمصالح الكبرى، تظل القضية الفلسطينية تشكل جوهر النزاع المستمر، والتي تتجاوز حدود جغرافية وحسابات سياسية ضيقة، لتصبح قضية إنسانية لا بد من حلها، قضية فلسطين، التي أضحت رمزية في نضال الشعوب من أجل الحرية، تناضل اليوم في وجه آلة الحرب الإسرائيلية التي لم تتوقف عن تدمير البشر والحجر على مدى عقود.

منذ نشأة الكيان الاسرائيلي على أنقاض الشعب الفلسطيني، لم يكن الفلسطينيون في حالة من الراحة أو الأمان، بل عاشوا تحت وطأة الاحتلال والتهجير القسري، في مشهد غير مسبوق من الظلم والصمت الدولي، الذي طالما تجاهل صوت الضحايا وجروحهم النازفة، ومع ذلك، استطاع الشعب الفلسطيني أن يثبت أن إرادته أقوى من الحديد والنار، وأن مسيرته نحو التحرير ستستمر مهما كانت التضحيات.

لم يتوقف الاحتلال الإسرائيلي عن توسيع مستوطنة الصهيونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفرض إجراءات عنصرية تهدف إلى القضاء على الهوية الفلسطينية، ففي كل لحظة، تشهد المدن الفلسطينية مظاهر التدمير المستمر، من هدم المنازل إلى قصف المدن بالأسلحة المحرمة دوليا، مرورا بممارسات القتل والتعذيب ضد الأبرياء، لا يكاد يمر يوم دون أن يسقط شهداء من أطفال ونساء وأبرياء على أيدي الجيش الإسرائيلي في مشهد يعكس وحشية لا تحتمل.

أما في قطاع غزة، فالوضع أكثر مأساوية، حصار خانق وعزلة تامة على الأرض التي لم تجد سوى الأمل في صمود أهلها، ومنذ نكبة غزة الأولى في 2008، إلى المجازر التي ارتكبت في حق شعبها في 2014، وصولا إلى الحروب التي تلتها، لم يتوقف العدوان الإسرائيلي في شراسته، رغم كل النداءات الأممية لوقف إطلاق النار، وكلما زاد القتل والدمار، إلا أن إرادة الفلسطينيين تزداد قوة وصلابة.

في ظل هذا الوضع البائس، يظل الأمل في محكمة الجنايات الدولية والهيئات الحقوقية الدولية لتحمل مسؤوليتها في محاسبة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه، لكن للأسف، لا تزال العديد من الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، تقدم الدعم الكامل لإسرائيل، محجبة بذلك العدالة أمام جرائم الحرب والقتل الجماعي.

هذه السياسة الدولية المنحازة تعكس حالة من اللامبالاة تجاه معاناة الشعب الفلسطيني، وتضع علامات استفهام حول مصداقية المؤسسات الدولية في تطبيق العدالة، فهل يمكن لمحكمة الجنايات الدولية أن تواجه هذا الاحتلال المدعوم دوليا وتحقق العدالة؟ أم أن المستقبل سيظل محكوما بعلاقات القوى الكبرى التي تستخدم الفيتو لحماية إسرائيل؟

وسط كل هذا الدمار، لا يمكن إغفال دور القيادة الفلسطينية التي رغم التحديات، أثبتت قدرتها على الصمود، رغم الخلافات الداخلية والنزاعات السياسية، يبقى الشعب الفلسطيني متماسكا حول قضيته، فالمقاومة ليست مجرد حمل السلاح، بل هي أيضا صمود سياسي في محافل العالم، ومحاولة لتوحيد صفوف الشعب الفلسطيني على أرضه.

إن التحدي الأكبر اليوم هو الحفاظ على وحدة الصف الفلسطيني، وخاصة في ضوء محاولات الاحتلال لزرع الفرقة بين فصائل المقاومة الفلسطينية، فلسطين لا تحتاج إلى مزيد من الانقسامات، بل إلى توحيد الكلمة من أجل تحقيق الهدف الأسمى، الحرية والعدالة.

وفي الوقت الذي تتصاعد فيه الآمال في تحقيق العدالة للفلسطينيين، ينبغي أن يتساءل المجتمع الدولي عن دوره في هذه المأساة. هل هي مجرد تصريحات ووعود فارغة، أم أن هناك إرادة حقيقية لإنهاء الاحتلال ورفع الظلم عن الشعب الفلسطيني؟

من هنا، على الدول العربية والإسلامية أن تلعب دورا أكبر في الساحة الدولية، وأن تترجم مواقفها السياسية إلى تحركات فعلية لدعم حقوق الفلسطينيين، في مواجهة القوى التي تدعم الاحتلال الإسرائيلي، لا يمكن أن يستمر هذا الصمت الدولي، ولا بد من إحداث تغيير حقيقي على الأرض.

فلسطين لم ولن تكون مجرد قضية جغرافية، إنها قضية إنسانية بامتياز، قضية شعوب تبحث عن حقوقها في حياة حرة وكريمة، وقد تظل فلسطين تحت الاحتلال لفترة طويلة، لكن لا يمكن لأي قوة مهما عظمت أن تكسر إرادة شعب اختار المقاومة والمثابرة على طريق الحرية.

إذا كانت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي قد فشلوا في حماية حقوق الفلسطينيين، فإن الأمل يبقى في قدرة الشعب الفلسطيني على إحداث التغيير، وفي وعد الله الذي لا يخيب، إن مع العسر يسرا، فلسطين ستظل في القلب، ومهما حاول الاحتلال إطفاء شمس الحرية، ستبقى فلسطين مضيئة، ولن تنطفئ إلا بتحقيق العدالة.

م المهدي غرايبة

صحفي مهني وباحث في مجال الإعلام الرقمي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *