طنجة المتوسط يتصدر مستقبل الموانئ البحرية ويستقطب شركات الشحن العالمية
في خطوة نوعية من شأنها إعادة تشكيل خارطة الشحن البحري في منطقة البحر الأبيض المتوسط، أعلنت شركة الشحن العالمية “CMA CGM” عن تغيير محوري في مسارها البحري الذي يربط بين آسيا وأوروبا، وذلك عبر استبدال ميناء الجزيرة الخضراء بميناء طنجة المتوسط كمركز رئيسي للعمليات في منطقة مضيق جبل طارق، ابتداء من يناير 2025، ويأتي هذا القرار ليجسد رؤية المملكة الطموحة في بناء ميناء بمواصفات عالمية يجذب الاستثمارات، ويشكل ركيزة حيوية في تعزيز مكانته كمحور استراتيجي للشحن واللوجستيات.
يعد ميناء طنجة المتوسط واحدا من أكبر الموانئ وأكثرها تطورا في إفريقيا والعالم، حيث يتميز بموقعه الاستراتيجي على تقاطع الطرق البحرية بين المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، مما يتيح له أن يكون حلقة وصل رئيسية بين أوروبا، إفريقيا، وأمريكا، وتعمل إدارة الميناء بشكل مستمر على تطوير بنيته التحتية، وتوسيع قدراته الاستيعابية، وتجهيز محطاته بأحدث المعدات التكنولوجية، هذا الاهتمام جعل الميناء يحصد اهتمام الشركات العالمية العملاقة مثل “CMA CGM” التي تسعى للاستفادة من الموقع الجغرافي الفريد وعمق التطوير الاستثماري الذي يشهده.
يشمل التحول الذي تعتزم “CMA CGM” تنفيذه تغيير مسار خدمتيها البحريتين FAL1 وFAL3، إذ ستضيف خطوط ربط مباشرة بين ميناء بوسان الكوري الجنوبي وموانئ أوروبية مثل غدانسك في بولندا، ودونكيرك في فرنسا، وساوثامبتون في المملكة المتحدة، ضمن جهود لتعزيز عمليات الشحن العابر إلى أوروبا، وسيتم تمديد دورة خدمة FAL3 إلى 15 أسبوعا، مما يتيح نقل الشحنات عبر موانئ آسيوية تشمل تشينغداو وشنغهاي وسنغافورة، وموانئ أوروبية مثل لو هافر، هامبورغ، وأنتويرب، قبل العودة إلى ميناء طنجة المتوسط.
تتخطى أهمية التعاون بين CMA CGM وميناء طنجة المتوسط مجرد تعزيز الربط اللوجستي بين آسيا وأوروبا، إذ يعكس التعاون التزاما مشتركا بتطبيق أفضل المعايير البيئية والممارسات المستدامة، في إطار مذكرة تفاهم تم توقيعها بين الشركتين في أكتوبر الماضي، تعهد الجانبان بتركيز جهودهما على تقليل الانبعاثات الكربونية، وتقديم حلول صديقة للبيئة في عمليات الشحن والميناء، بما في ذلك توفير الوقود الأخضر واعتماد تكنولوجيا الهيدروجين الأخضر، مما يعزز ريادة المملكة المغربية في مجال الاستدامة البحرية.
يشمل التعاون مع CMA CGM استثمارات جديدة في محطة حاويات ميناء الناظور، حيث ستتولى CMA CGM إلى جانب شركة “Marsa maroc” إنشاء محطة حديثة لإعادة توزيع الحاويات على الرصيف الشرقي، هذا المشروع الضخم، الذي تبلغ تكلفته الاستثمارية حوالي 280 مليون دولار للمرحلة الأولى، سيزيد من القدرة الاستيعابية للشركة، ويسهم في تلبية الطلب المتزايد على الشحنات في غرب المتوسط، مما يجعل من الميناء ليس مجرد محطة عبور، بل قاعدة لوجستية مؤهلة لتلبية احتياجات الشحن العالمية.
يمثل هذا التطور الجديد تجسيدا فعليا لرؤية المملكة المغربية في تعزيز مكانتها كمركز لوجستي عالمي يتكامل مع استراتيجيات التنمية الاقتصادية الوطنية، ويسهم في خلق فرص عمل ودعم الاقتصاد المحلي من خلال الاستثمارات الأجنبية المستدامة، كما يبرز التزام المغرب بتطوير قطاعه البحري وفق أعلى المعايير، ليس فقط بهدف تحقيق النمو الاقتصادي، ولكن أيضا لضمان التنمية المستدامة على المدى الطويل.