زحف الشباب نحو سبتة.. صرخة يأس في مواجهة تجاهل النخب السياسية
في مشهد أصبح مألوفا ومتكررا، اهتزت الطريق الساحلية الرابطة بين طنجة والفنيدق عشية السبت 14 شتنبر 2024 على وقع زحف جماعي لأعداد كبيرة من الشباب المغاربة، عازمين على الهجرة إلى سبتة، هؤلاء الشباب الذين جاءوا من مختلف المدن المغربية، انطلقوا مشيا على الأقدام نحو الفنيدق، متحدين الصعاب والمخاطر، بحثا عن حياة جديدة خلف الحدود.
مع تقدم هؤلاء الشباب في طريقهم، انتشرت السلطات المغربية بكثافة على طول الطريق، القوات العسكرية، القوات المساعدة، حرس السواحل، وسدود الدرك الملكي وضعت على نقاط استراتيجية في محاولة لاحتواء الوضع ومنع تدفق المزيد من الشباب، هذه التحركات تعكس أزمة مستمرة تتفاقم مع كل عام، حيث تزداد أعداد المهاجرين غير النظاميين الذين يسعون للوصول إلى أوروبا بأي ثمن.
الهجرة غير النظامية او هجرة غير قانونية، وهجرة سرية ليست مجرد قرار فردي، بل هي نتيجة تراكمات اجتماعية واقتصادية وسياسية، في قلب هذه الأزمة، نجد الشباب المغربي محاصرا بين واقع مرير ومستقبل غير واضح المعالم، البطالة المرتفعة، التهميش الاقتصادي، والآفاق الضيقة هي ما يدفع هؤلاء الشباب للبحث عن فرص في الضفة الأخرى، حتى وإن كان ذلك يعني المخاطرة بحياتهم عبر طرق بحرية محفوفة بالمخاطر.
ورغم الجهود الأمنية الكبيرة التي تبذلها السلطات، يظل جوهر المشكلة مرتبطا بالنخب السياسية في المملكة، هذه النخب تبدو غير قادرة أو غير راغبة في تنفيذ التوجيهات الملكية التي تولي أهمية كبرى لتثمين العنصر البشري، فبدلا من خلق فرص اقتصادية حقيقية وتحسين الأوضاع الاجتماعية للشباب، ينشغل بعض الفاعلين السياسيين بتحقيق مصالحهم الشخصية، متجاهلين بذلك الوضع الملتهب الذي يعاني منه المواطنون، وخاصة الفئات الشابة.
في ظل هذه السياسة العرجاء، يصبح الشباب المغربي الضحية الأولى، فبدلا من تعزيز قدراتهم وتأهيلهم ليكونوا جزءا من التنمية، يتم تجاهلهم وتهميشهم، ما يتركهم فريسة سهلة للأفكار المتطرفة أو الرغبة الجامحة في الهجرة، هذا الانفصال بين توجهات جلالة الملك وبين تفاعل النخب السياسية يجعل من أي إصلاح أو تغيير حقيقي أمرا بالغ الصعوبة.
بينما تستمر محاولات الشباب للهجرة، يبقى السؤال الأساسي هو إلى متى سيستمر هذا الوضع؟ الحل لا يمكن أن يكون أمنيا فقط، بل يحتاج إلى رؤية سياسية واقتصادية شاملة تستثمر في الإنسان، يجب على النخب السياسية أن تدرك أن تثمين العنصر البشري هو السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة، تطوير سياسات تشغيلية، توفير فرص تعليمية حقيقية، وتحقيق العدالة الاجتماعية هي الخطوات الأساسية لقطع الطريق أمام الهجرة غير النظامية.
ما يحدث على الطريق بين طنجة والفنيدق هو تعبير عن حالة إحباط ويأس، ليس فقط من الواقع الاقتصادي، بل أيضا من فشل النخب في ترجمة التوجيهات الملكية إلى سياسات واقعية تحقق تطلعات الشعب.