روائع الأطلس: نافذة على التراث المغربي في قلب الدوحة
الدوحة ـ موراكوش
في إطار العام الثقافي “قطر-المغرب 2024″، تستضيف الدوحة معرض “روائع الأطلس: رحلة عبر تراث المغرب”، في خطوة تسلط الضوء على الروابط العميقة التي تربط بين العالمين العربي والإسلامي، يعد هذا المعرض، الذي يفتح أبوابه في متحف الفن الإسلامي، أكثر من مجرد استعراض لتراث غني، بل هو نافذة تعكس التاريخ المتجذر في أصول الحضارة المغربية، والتفاعل بين عناصرها الثقافية والدينية والاجتماعية.
يشتمل المعرض على مجموعة متنوعة من القطع الأثرية، التي ليست مجرد تمثيلات فنية فحسب، بل هي شواهد على تطور الحضارة المغربية عبر العصور، من المخطوطات التي توثق إسهامات المغرب في العلوم الشرعية والتقدم العلمي، إلى الآلات الموسيقية التي تعكس التنوع الثقافي للمملكة، نجد أنفسنا أمام سرد تاريخي معقد وملون.
يكمن في جوهر هذا المعرض سؤال حول كيف يمكن للفن أن يكون وسيطا للتفاهم بين الشعوب، فالمغرب، بلد يحتضن تنوعا ثقافيا واسعا بين العرب والأمازيغ والأندلسيين، يتجلى فيه التناغم بين هذه العناصر في إنتاجات فنية وحرفية تجاوزت حدود الزمن والمكان.
أحد أبرز جوانب المعرض هو تسليطه الضوء على دور المدن المغربية الكبرى مثل فاس ومراكش في تعزيز العلوم والمعرفة، تلك المدن كانت منارات في العالم الإسلامي، ونجحت في استقطاب العلماء والمفكرين من كل حدب وصوب، مما جعلها مراكز لا تزال تؤثر فينا حتى اليوم. هذا العرض ليس مجرد إحياء لتراث هذه المدن، بل هو تذكير بالدور المحوري الذي لعبته في تشكيل هوية المغرب الإسلامية.
في القسم الذي يتناول الحرف اليدوية المغربية، نشهد عرضا لبراعة الحرفيين المغاربة الذين حولوا المواد البسيطة إلى أعمال فنية تعكس هوية وطنية غنية، هذه الحرف، التي تنتقل عبر الأجيال، هي ليست مجرد تقنيات، بل هي أسلوب حياة يشهد على صمود الهوية الثقافية في وجه التغيرات الحديثة.
ورغم أهمية المعروضات التاريخية، فإن المعرض لم يغفل عن تقديم نظرة معاصرة للتراث المغربي، الأعمال الفوتوغرافية المعاصرة، المعروضة إلى جانب القطع الأثرية التقليدية، تقدم رؤية فنية فريدة للحياة المغربية اليوم، وتفتح الحوار بين الماضي والحاضر، بين التقليد والحداثة.
إن “روائع الأطلس” ليس مجرد معرض فني، بل هو جسر بين حضارتين، من خلال هذا العرض، تتاح الفرصة للجمهور في قطر لاستكشاف أوجه الشبه والاختلاف بين تراثهم والتراث المغربي، ما يعزز فهما أعمق للروابط التي تجمع بين دول العالم الإسلامي.
يبقى السؤال الأهم: كيف يمكن لمثل هذه المعارض أن تسهم في تقوية العلاقات الثقافية بين الدول؟ إن الجواب يكمن في قدرتها على خلق حوار بين الشعوب، حيث يتم تبادل الأفكار والثقافات بطرق تتجاوز الحدود الجغرافية والسياسية. وفي هذا السياق، يشكل معرض “روائع الأطلس” خطوة مهمة نحو تعزيز الفهم المتبادل، ودعوة للاحتفاء بالتنوع والثراء الثقافي.
ختاما، “روائع الأطلس” هو أكثر من مجرد عرض فني، إنه احتفاء بعلاقة متجذرة بين ثقافتين شقيقتين، ودعوة مفتوحة للجميع لاستكشاف أوجه جديدة من التراث المغربي الغني، في قلب الدوحة النابض بالثقافة والفن.