حكومة الدبيبة بين الدعاية الجزائرية وتهميش المبادرات المغربية
في خطوة أثارت جدلا واسعا وتساؤلات حول توجهات حكومة الوحدة الوطنية الليبية، استغل محرز جريبي، المدير المركزي لجهاز أمن الجيش الجزائري، منصة مؤتمر لقادة الاستخبارات العسكرية لدول جوار ليبيا في طرابلس لإطلاق تصريحات تستهدف الوحدة الترابية للمملكة المغربية، هذه التصريحات التي وصف فيها الأقاليم الجنوبية للمملكة بأنها “آخر مستعمرة في إفريقيا”، زاعما أن المملكة المغربية “تحتل” الصحراء و”تخرق” اتفاق وقف إطلاق النار مع جبهة البوليساريو، جاءت على مسمع من رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة ومسؤولين آخرين من دول الجوار، مما يضع علامة استفهام كبيرة حول موقف الحكومة الليبية ومدى تورطها في تبني الدعاية الجزائرية.
مصادر إعلامية ليبية أكدت أن الدبيبة عقد اجتماعا خاصا مع محرز جريبي على هامش المؤتمر، ناقشا فيه ما وصف بـ”مواجهة التحركات المغربية في ليبيا والمنطقة وكيفية الحد منها”، هذه الخطوة جاءت كرد فعل واضح على احتضان المملكة لاجتماعات تشاورية بين مجلسي النواب والدولة الليبيين بمدينة بوزنيقة، والتي أسفرت عن تفاهمات سياسية مهمة، أبرزها الاتفاق على إعادة تشكيل السلطة التنفيذية والتمهيد لإجراء الانتخابات العامة.
رد حكومة الدبيبة على استضافة المغرب لهذا الاجتماع كان سريعا، إذ أعربت وزارة الخارجية الليبية عن استغرابها الشديد من هذه الاستضافة، متهمة المملكة بعدم التنسيق المسبق معها، ورغم ذلك، أكد المجلسان الليبيان أن الاجتماعات جاءت بمبادرة ليبية خالصة ولم تكن بحاجة إلى موافقة أي طرف لعقدها داخل أو خارج البلاد، ما يعكس استقلالية القرار الليبي في هذه المشاورات.
كما تعكس هذه التحركات حجم التأثير الجزائري على مواقف حكومة الدبيبة، التي يبدو أنها باتت تتبنى أجندة الجزائر فيما يتعلق بالنزاع حول الصحراء المغربية، ومن الواضح أن تصريحات محرز جريبي وما تبعها من اجتماعات مع الدبيبة تهدف إلى تقويض الدور المغربي في الملف الليبي، خاصة بعد نجاح المغرب في تحقيق تقدم ملموس في تقريب وجهات النظر بين الأطراف الليبية.
لطالما لعبت المملكة المغربية دور الوسيط في الملف الليبي، مستفيدة من حيادها التقليدي وعلاقاتها الجيدة مع مختلف الأطراف، وقد شكلت اجتماعات بوزنيقة محطة بارزة في مسار الحوار الليبي، حيث تمكنت المملكة من توفير بيئة مناسبة للحوار بعيدا عن الضغوط الخارجية، لكن هذا الدور البناء أثار حفيظة أطراف إقليمية، أبرزها الجزائر، التي ترى في النجاحات المغربية تهديدا لطموحاتها الإقليمية، مما دفعها إلى استغلال حكومة الدبيبة كمنصة لترويج دعايتها المناوئة للمغرب.
موقف حكومة الوحدة الوطنية، بقيادة عبد الحميد الدبيبة، يبدو محيرا في ظل تناقض تصريحاتها وممارساتها، فمن جهة، تدعو إلى احترام سيادة ليبيا وتوحيد المؤسسات، ومن جهة أخرى، تسمح باستخدام أراضيها كمنصة لاستهداف سيادة دولة جارة تسعى لإيجاد حلول سلمية للأزمة الليبية، هذا التناقض يثير تساؤلات حول مدى استقلالية القرار الليبي في ظل النفوذ الجزائري المتزايد.