حرية التعبير بين التنظيم والرقابة.. تحديات التوازن في العصر الرقمي

حرية التعبير بين التنظيم والرقابة.. تحديات التوازن في العصر الرقمي

في سياق متسارع تتعاظم فيه أهمية الفضاء الرقمي كمنصة أساسية للنقاش والتعبير، دعت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمملكة المغربية، آمنة بوعياش، إلى تطوير آليات لمواكبة وتقنين حرية التعبير على الإنترنت، وذلك خلال لقائها ببرلمانيين ودبلوماسيين بريطانيين في العاصمة لندن، هذه الدعوة، رغم كونها تبدو متسقة مع التوجهات العالمية لحماية الحقوق الرقمية، إلا أنها تفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية حول مدى التوازن بين حماية حرية التعبير وضبط المحتوى الرقمي.

تؤكد بوعياش على أهمية ازدهار حرية التعبير في الفضاء الرقمي، مشددة في الوقت نفسه على الحاجة إلى إيجاد حلول مبتكرة تضمن هذا الحق دون الإضرار ببقية الحقوق، مثل الحق في الخصوصية وحماية السمعة، غير أن مثل هذه التصريحات تستوجب تدقيقا عميقا، إذ لطالما شكلت مسألة تنظيم حرية التعبير عبر الإنترنت سلاحا ذا حدين، حيث يوظف في بعض الأحيان لضبط الفوضى الرقمية، ولكنه قد يتحول كذلك إلى أداة للتضييق على الأصوات الحرة.

إن التحولات الرقمية التي يشهدها العالم، بما في ذلك المملكة، جعلت من المنصات الرقمية ساحات رئيسية للنقاش العمومي، وهو ما عزز انتشار الأفكار والتفاعل بين الأفراد والجماعات، غير أن هذا الانفتاح ترافق مع تحديات معقدة، من بينها انتشار الأخبار الزائفة، والتضليل الإعلامي، وخطاب الكراهية، الأمر الذي دفع الدول إلى البحث عن أطر تنظيمية قادرة على تحقيق التوازن بين الحرية والمسؤولية.

لكن يبقى السؤال الأهم، من يضع هذه الأطر؟ وكيف نضمن أن لا تتحول إلى قيد على الصحفيين والنشطاء والفاعلين الحقوقيين؟ إن غياب معايير شفافة في تقنين حرية التعبير الرقمي قد يفتح الباب أمام ممارسات تعسفية، خصوصا إذا تم تأويل القوانين بشكل يخدم مصالح معينة.

إن المغرب، رغم تقدمه في مجال حقوق الإنسان، يواجه تحديات كبيرة في مسألة الحقوق الرقمية، إذ لا تزال هناك تخوفات مشروعة من أن تؤدي التشريعات إلى فرض قيود غير مبررة على حرية الصحافة والتعبير، خصوصا في ظل وجود حالات سابقة تم فيها توظيف قوانين متعلقة بالنشر في ملاحقة نشطاء وصحفيين.

لذلك، فإن أي محاولة لتطوير إطار قانوني جديد يجب أن تراعي بشكل صارم المبادئ الدولية لحقوق الإنسان، وأن تتجنب أي توجه نحو تقنين يقود إلى الرقابة، تحت ذرائع مكافحة التضليل أو حماية الخصوصية، بل ينبغي أن يكون الهدف الرئيسي هو ضمان فضاء رقمي مفتوح وعادل، يحمي الأفراد من التجاوزات دون أن يكون وسيلة لتكميم الأفواه.

إن دعوة آمنة بوعياش إلى تطوير آليات مواكبة حرية التعبير في الفضاء الرقمي تعد خطوة في الاتجاه الصحيح إذا كان الهدف منها هو تعزيز الحريات وضمان التعددية الإعلامية، لكن هذا الطرح يحتاج إلى نقاش مجتمعي واسع، يضم مختلف الفاعلين من صحفيين، ونشطاء حقوقيين، ومؤسسات مدنية، لضمان ألا يتحول التقنين إلى تقييد، وألا يستخدم كذريعة لكبح الأصوات المنتقدة.

في النهاية، تبقى حرية التعبير حجر الزاوية في أي ديمقراطية حقيقية، وأي محاولة لتنظيمها يجب أن تبنى على مبدأ حماية هذه الحرية وليس تحجيمها، فالمعركة ليست بين الفوضى والتنظيم، بل بين حرية مسؤولة ورقابة مقنعة.

إرسال التعليق

You May Have Missed