جدلية زيارة السفير الجزائري إلى مناطق الأمازيغ في ليبيا
طرابلس – موراكوش
أثارت زيارة السفير الجزائري سليمان شنين إلى مناطق الأمازيغ في الجبل الغربي “جبل نفوسة” جدلا واسعا في الأوساط الليبية، حيث اعتبرها البعض تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية الليبية، بينما رآها آخرون تعبيرا عن سياسات استراتيجية تسعى الجزائر من خلالها لتعزيز نفوذها في المنطقة.
تشهد ليبيا منذ عام 2011 انقسامات سياسية حادة، ما جعلها ساحة مفتوحة لتدخلات خارجية تسعى كل منها لتحقيق مصالحها، وفي هذا السياق، جاءت زيارة السفير الجزائري إلى مدينة نالوت، حيث ناقش مع المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا قضايا تتعلق بالحدود المشتركة، وأكد على أهمية المدن الأمازيغية كعمق استراتيجي لأمن الجزائر.
اعتبر عضو مجلس النواب عبدالمنعم العرفي أن هذه الزيارة تعد تدخلا مباشرا في الشأن الليبي، وتهدف إلى استغلال الأمازيغ كورقة ضغط في الخلافات الجزائرية المغربية، وطالب العرفي الجهات الليبية المختصة بالتصدي لمثل هذه التدخلات، معتبرا أن تلميحات السفير حول أهمية المدن الأمازيغية لأمن الجزائر تعد استفزازا للسيادة الليبية.
من جانبه، وصف النائب جبريل أوحيدة هذه الخطوة بأنها تكرس حالة الانقسام السياسي في ليبيا، وتؤكد غياب الدولة المركزية، وأكد أن أي تجاوب مع هذه التحركات يعتبر خيانة عظمى بموجب القوانين الليبية.
تشير زيارة السفير الجزائري إلى نالوت، ولقائه بزعماء القبائل الأمازيغية، إلى محاولة الجزائر تعزيز حضورها في المناطق الحدودية الليبية ذات الأهمية الاستراتيجية، لكن هذه المحاولات تصطدم بحساسية الوضع الداخلي في ليبيا، حيث يعتبر المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا أي تدخل خارجي في شؤونهم خرقا للسيادة الوطنية.
وفي السياق ذاته، عبّر المجلس الأعلى عن رفضه لأي محاولات لفرض الوصاية عليهم من طرف الجزائر أو غيرها، وأكد أن علاقاتهم مع أمازيغ المغرب تقتصر على التعاون الثقافي واللغوي، بعيدا عن أي تجاذبات سياسية.
تأتي زيارة السفير شنين في وقت تتزايد فيه التوترات بين الجزائر والمملكة المغربية، حيث تسعى الجزائر لتعزيز نفوذها في المناطق ذات الأغلبية الأمازيغية كوسيلة للضغط على المملكة، ويبدو أن السلطات الجزائرية تعول على تأجيج الروابط الثقافية والإثنية لتعزيز أجندتها السياسية.
ويرى مراقبون أن الجزائر تستغل حالة الضعف التي تمر بها ليبيا لتحقيق مصالحها، لا سيما في المناطق الغنية بالنفط مثل حوض غدامس والحمادة الحمراء، ويضاف إلى ذلك العلاقات الوثيقة التي تربط حكام الجزائر بحكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، وهو ما يضعف الموقف الليبي الموحد أمام هذه التدخلات.
تظهر زيارة سليمان شنين إلى مناطق الأمازيغ في ليبيا تعقيدات الوضع الليبي وتداخله مع المصالح الإقليمية، ففي حين تدّعي الجزائر سعيها لاستقرار المنطقة، تشير التحركات الأخيرة إلى محاولات لتعزيز نفوذها على حساب السيادة الليبية، ومع استمرار الانقسامات الداخلية، يبدو أن الساحة الليبية ستبقى مفتوحة للتدخلات الخارجية، ما لم يتم التوصل إلى حل سياسي يعيد للدولة مركزيتها وسيادتها.