تونس والجزائر.. مسار خطير من التبعية والإملاءات في قضية الصحراء المغربية
يبدو أن الجزائر ماضية بخطى متسارعة نحو فرض وصايتها السياسية والإيديولوجية على تونس، التي تعيش في عهد الرئيس قيس سعيد تحوّلا غير مسبوق في سياستها الخارجية، تحول وضعها في موقف التبعية المطلقة للجزائر، وبالأخص في ما يتعلق بمواقفها من قضايا إقليمية ذات حساسية بالغة، وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية، هذا التوجه لم يكن مجرد انحراف عابر، بل تحول إلى سياسات ممنهجة تنفذ على أصعدة متعددة، بما في ذلك الأكاديمية والثقافية.
منذ صعود قيس سعيد إلى السلطة، تجلت ملامح تغيير جذري في السياسة الخارجية التونسية، كانت ذروة هذا التحوّل استقبال الرئيس التونسي لزعيم الانفصاليين، في خطوة أثارت استياء المملكة المغربية وكل من يرى في الصحراء المغربية قضية سيادية لا تقبل الجدل، هذه الواقعة لم تكن سوى البداية، حيث تعمقت الوصاية الجزائرية بتوجيه تونس للمشاركة في اجتماعات ثلاثية مغاربية مشبوهة، تروج لأجندات تقسيمية تتنافى مع تطلعات شعوب المنطقة نحو الوحدة الثابتة والتنمية المشتركة.
أخطر ما في الأمر هو الزج بالمؤسسات الأكاديمية التونسية في هذه الصراعات السياسية الفاشلة، فقد احتضنت مدينة الحمامات ملتقى بعنوان “المقاومة والصمود.. مقاربات متعددة”، بمشاركة جزائرية تونسية ليبية موريتانية، إضافة إلى حضور مثير للجدل لوفد من مخيمات تندوف، هذا الحدث، المنظم بالشراكة بين مركز أبحاث جزائري وجامعة المنستير التونسية، يعد انحرافا خطيرا يفقد المؤسسات الأكاديمية حيادها ويحوّلها إلى أدوات دعاية لصالح أجندات انفصالية، على حساب المصالح السيادية لدولة شقيقة مثل المملكة المغربية.
هذه التوجهات تمثل تحولا خطيرا، حيث أن انخراط الجامعات التونسية في هذه السياسات يمثل انحرافا خطيرا، ويعكس الخضوع التام للأجندة الجزائرية التخريبية التي تهدف إلى زعزعة استقرار المنطقة وتقويض الوحدة الترابية للمملكة المغربية.
إن سياسات قيس سعيد الإقليمية أدخلت تونس في مسار تصادمي مع تاريخها الدبلوماسي الذي اتسم بالحياد تجاه قضية الصحراء المغربية، هذا الحياد الذي كان يمثّل ركيزة أساسية في سياسة تونس الخارجية على مدار عقود، بات الآن ضحية لرغبات النظام الجزائري في الهيمنة الإقليمية.
على الرغم من هذا المشهد القاتم، يبقى الأمل معقودا على أصوات العقل في تونس التي تدرك خطورة الانسياق وراء الأجندة الجزائرية، تونس مطالبة، أكثر من أي وقت مضى، باستعادة حيادها الإيجابي وإعلان موقف واضح يدعم الوحدة الترابية للمملكة المغربية، بما يتماشى مع تاريخها الدبلوماسي وعلاقاتها المتينة مع الرباط.
إن انخراط تونس في الأجندات الجزائرية يضر بمصالح الشعب التونسي قبل أي طرف آخر، ويدفعها بعيدا عن دورها المحوري كدولة تجمع ولا تفرق في منطقة المغرب الكبير، المستقبل يحتاج إلى سياسة متوازنة تعيد بناء الثقة مع المملكة وتضع حدا لاستغلال الجزائر للفراغ السياسي في تونس.
في ظل التحولات الراهنة، يجب أن يدرك قادة تونس أن تبني سياسات إقليمية غير متوازنة لا يخدم استقرارهم الداخلي ولا يعزز مكانتهم الإقليمية، أما الجزائر، فإن سعيها لتوسيع نفوذها الإقليمي عبر بوابة تونس لن يكون إلا محاولة عابرة ستصطدم بحقيقة أن المملكة تظل صخرة صلبة في وجه الأطروحات الانفصالية، بما تمتلكها من شرعية تاريخية ودبلوماسية ناجحة، ومع ذلك، تبقى الكلمة الأخيرة للشعوب المغاربية التي تتطلع إلى وحدة حقيقية تتجاوز الخلافات المصطنعة وتعلي من قيم التضامن والتنمية المشتركة.