العدوان الإسرائيلي على لبنان جريمة ضد التراث الإنساني
في خطوة تزيد من تعقيد الأوضاع الإنسانية والثقافية في لبنان، تعرضت العديد من المواقع التراثية في هذا البلد العربي العريق لدمار كبير جراء الغارات الإسرائيلية المتواصلة، هذا العدوان، الذي يستهدف المدنيين والبنية التحتية، لحق أيضا بمعالم تاريخية شاهدة على حضارات مرّت على لبنان، بما في ذلك المواقع الفينيقية والرومانية في مدينة صور، وقلعة بعلبك التاريخية التي تضم معالم تراثية هامة.
دعت منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة “إيسيسكو”، في بيان عاجل، إلى ضرورة التصدي لهذا التخريب والتدمير الذي يهدد هوية لبنان التاريخية والثقافية، وقد عبّرت الإيسيسكو عن قلقها الشديد إزاء الخسائر التي تعرضت لها المواقع التراثية اللبنانية بسبب العدوان الإسرائيلي، مشيرة إلى ضرورة التعاون الدولي لحماية هذه المواقع، باعتبارها جزءا من التراث الإنساني المشترك الذي يجب الحفاظ عليه للأجيال القادمة.
منذ بداية العدوان الإسرائيلي على لبنان في شتنبر 2023، تم استهداف العديد من المواقع الأثرية الهامة، مثل حي الآثار في مدينة صور، الذي يعد من الوجهات السياحية المهمة في لبنان، يعود تاريخ هذا الموقع إلى الحضارتين الفينيقية والرومانية، ويحمل قيمة ثقافية وتاريخية كبيرة، وكذلك كان لقلعة بعلبك، المدرجة على قائمة التراث العالمي لليونسكو منذ عام 1984، نصيب من الاستهداف الإسرائيلي، حيث تعرضت الأعمدة الرومانية الشهيرة في الموقع لأضرار جسيمة بسبب القصف الإسرائيلي.
وأبرز هذه المواقع هي “قبة دوريس” في بلدة دوريس، التي يعود تاريخ بنائها إلى العصر الأيوبي في القرن الثالث عشر الميلادي، ورغم أن هذه المعالم تعدّ من أبرز الشواهد على التاريخ العربي والإسلامي، إلا أن العدوان الإسرائيلي على لبنان لم يرحمها، بل أضاف إليها قائمة جديدة من المواقع المدمرة، ما يزيد من حجم الجريمة التي تمارسها إسرائيل ضد التراث الإنساني في المنطقة.
ما يزيد من الألم هو الصمت الدولي تجاه هذه الجريمة التي تهدد بتدمير هوية لبنان الثقافية، فقد عبّر العديد من البرلمانيين اللبنانيين عن استيائهم من استمرار الاعتداءات على المواقع الأثرية، وحذروا من أن هذه الهجمات على التراث اللبناني قد تفتح الباب أمام المزيد من التدمير الثقافي في المنطقة.
نداء عاجل وجهه البرلمانيون اللبنانيون إلى مديرة اليونسكو، أودري أزولاي، طالبين منها التحرك بسرعة لحماية التراث اللبناني، لكن السؤال الذي يبقى قائما، أين المجتمع الدولي من هذه الاعتداءات؟ لماذا لا تتحرك المنظمات الدولية بشكل جاد لحماية التراث الثقافي والإنساني في مناطق النزاع؟ وهل ستظل هذه الهجمات ضمن حلقة مفرغة من التصريحات والإدانات دون تحرك فعلي على الأرض؟
إن التراث الثقافي ليس مجرد إرث تاريخي لشعب معين، بل هو جزء من الذاكرة الإنسانية التي تتجاوز الحدود الجغرافية والسياسية، لذا، فإن تدمير المواقع التراثية في لبنان لا يمثل خسارة للبنانيين فقط، بل للمجتمع الدولي بأسره. يجب أن يتعامل العالم مع هذا الأمر كتهديد للإنسانية جمعاء، لا كما لو كان مجرد قضية محلية.
لقد أسفر العدوان الإسرائيلي على لبنان عن مقتل 3645 شخصا وجرح 15355 آخرين، بالإضافة إلى نزوح ما يقرب من مليون و400 ألف شخص، هذه الخسائر البشرية الفادحة لا يمكن تجاهلها، لكنها في نفس الوقت تأتي في سياق حرب شاملة لا تقتصر على تدمير المباني والمرافق، بل تتعداها إلى تدمير الذاكرة التاريخية للشعوب، إن الهجوم على التراث الثقافي يشكل جزءا من سياسة منهجية تسعى إلى إلغاء الهوية الوطنية والتاريخية للشعوب، وهو ما يتطلب تحركا عالميا عاجلا للتصدي له.