الجزائر تناور واشنطن لخلط الأوراق في شمال إفريقيا
في خضم التوترات الجيوسياسية التي تشهدها منطقة شمال إفريقيا، تتجه الأنظار نحو التحركات الجزائرية الساعية إلى تعزيز علاقاتها مع واشنطن، في خطوة تقرأ على أكثر من مستوى، سواء من حيث إعادة تموضع الجزائر في معادلة التوازنات الإقليمية، أو كاستراتيجية استباقية لاحتواء تداعيات التحولات الدولية على سياستها الخارجية.
كشف تقرير لمؤسسة “أكسفورد أناليتيكا“، المتخصصة في التحليل السياسي والاقتصادي، عن توقيع الجزائر مذكرة تفاهم غير مسبوقة مع الولايات المتحدة في فبراير الماضي، تركز على التعاون العسكري، هذه الخطوة، وإن بدت في ظاهرها تكريسا للعلاقات الثنائية، إلا أنها تحمل في طياتها رسائل ضمنية، لعل أبرزها محاولة الجزائر طمأنة واشنطن بشأن موقفها من النزاع الإقليمي في الصحراء، ولا سيما تأكيدها عدم تزويد جبهة البوليساريو بالسلاح، وهو تطور قد يعكس تحولات تكتيكية في الدبلوماسية الجزائرية.
ويرى مراقبون أن هذا التوجه يعكس مسعى الجزائر إلى تحسين صورتها على الساحة الدولية، في ظل تعقيدات المشهد الداخلي، فضلا عن تحدياتها الاقتصادية المتنامية، لا سيما في ظل الانخفاض النسبي لعائدات الطاقة التي تعد العمود الفقري لاقتصادها.
التقرير ذاته أشار إلى أن الجزائر، رغم تفوقها العددي في العتاد العسكري، تواجه تحديا استراتيجيا يتمثل في وتيرة التحديث السريعة التي يشهدها الجيش المغربي، خاصة في مجالات الحرب الإلكترونية والطائرات المسيرة والدفاعات الجوية، وذلك بفضل شراكاته العسكرية مع الولايات المتحدة وإسرائيل.
التعاون المغربي الإسرائيلي، الذي يشمل مجالات الاستخبارات والتسليح والتكنولوجيا العسكرية، يمنح الرباط تفوقا نوعيا في موازين القوى الإقليمية، ما يفرض على الجزائر إعادة تقييم استراتيجياتها الدفاعية وتحالفاتها الإقليمية.
فيما يخص موقف الإدارة الأمريكية المقبلة، طرح تقرير “أكسفورد أناليتيكا” سيناريوهين محتملين: الأول يتمثل في انسحاب واشنطن من المنطقة، انسجاما مع توجهات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ما قد يفسح المجال أمام القوى الإقليمية لإعادة ترتيب الأوراق دون تدخل أمريكي مباشر، أما السيناريو الثاني، فيشير إلى احتمال دعم واشنطن العلني للمملكة المغربية، استنادا إلى موقفها المعلن في دجنبر 2020، حينما اعترفت بالسيادة المغربية على الصحراء، وهو ما قد يعزز موقع المملكة المغربية في المعادلة الإقليمية.
وفي ظل هذا المشهد، يظل التساؤل الأبرز: هل يشكل التقارب الجزائري الأمريكي تحولا استراتيجيا حقيقيا في السياسة الخارجية للجزائر، أم أنه مجرد مناورة دبلوماسية لامتصاص الضغوط الدولية؟ كما أن مستقبل التوازنات في المنطقة سيظل مرهونا بمدى قدرة الطرفين، المغرب والجزائر، على تفادي الانزلاق نحو مواجهة مباشرة، في ظل تعقيدات المشهد الدولي والتحولات الإقليمية المتسارعة.
بين التحديات الداخلية التي تواجهها الجزائر، والتطورات المتلاحقة في علاقات المغرب الإقليمية والدولية، تظل المنطقة على صفيح ساخن، حيث يترقب الجميع ما ستسفر عنه المتغيرات الجيوسياسية، في وقت باتت فيه الخيارات الاستراتيجية للدول الكبرى أكثر براغماتية من أي وقت مضى.
إرسال التعليق