البطالة تدفع الشباب المغربي إلى المجهول وسط صمت حكومي
في ظل ارتفاع البطالة بشكل غير مسبوق بإقليم تطوان وعمالة المضيق الفنيدق، تتسع رقعة الألم والخيبة بين شباب المنطقة، التي أصبحت ميدانا لتكرار مشاهد الهجرة الجماعية، حيث يختار العشرات منهم، وحتى القاصرين، السباحة نحو ثغر سبتة، في مغامرات خطيرة غالبا ما تنتهي بمأساة.
الواقع المظلم الذي يخيم على المنطقة تفاقم بعد إغلاق المعبر الحدودي باب سبتة، الذي كان يشكل شريانا اقتصاديا للآلاف من الأسر، اليوم، بعد مرور سنوات على هذا القرار، لم تقدم حكومة اخنوش أي بدائل عملية تنقذ شباب هذه المناطق من شبح البطالة والموت في عرض البحر، وكأن السلطة، التي تملك القدرة على اتخاذ القرارات الكبرى، قررت الصمت أمام معاناة هؤلاء الشباب، الذين لا يطلبون سوى فرص تحفظ لهم كرامتهم.
الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية كان قد نبه الحكومة، مرارا وتكرارا، إلى خطورة الوضع، أسئلة كتابية وشفوية تكررت، كلها تحذر من آثار الإغلاق على ساكنة المنطقة، خاصة فئة الشباب الذين باتوا بين مطرقة البطالة وسندان الهجرة غير الشرعية، ولكن، كما في كل مرة، كانت الأجوبة الرسمية بعيدة عن الواقع، ومخيبة لآمال السكان الذين يزداد وضعهم الاجتماعي والاقتصادي تدهورا.
وفي ظل صمت وزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، فإن أعداد الهاربين من واقعهم المرير نحو الجنة الموعودة في سبتة، لا تتوقف عن الارتفاع، وما حدث في الأسبوع الأخير من شهر غشت الماضي هو الدليل الصارخ، عشرات الشباب غامروا بحياتهم، ورموا أنفسهم في أحضان البحر، على أمل أن يجدوا مستقبلا أفضل في الضفة الأخرى، ولكن الحقيقة غالبا ما تكون أقسى مما يتخيلون، فالكثير منهم لم يعد، ولا أحد يعلم مصيرهم سوى البحر الذي ابتلعهم.
هذه المشاهد المأساوية المتكررة لا تسيء فقط لصورة المملكة المغربية على المستوى الدولي، بل هي صرخة في وجه المسؤولين الذين يبدو أنهم في غياب تام عن وعيهم بواقع هذه المناطق، ماذا ينتظرون؟ أن يتكرر المشهد مرة ثالثة ورابعة؟ أم أن الوضع بحاجة إلى كارثة إنسانية كبرى حتى تتحرك الدولة؟
أمام هذا الواقع، تتساءل الساكنة والشباب الذين فقدوا الثقة في وعود الحكومة، ما هي الخطوات الفعلية التي ستتخذها الوزارة؟ وأين هي الاستراتيجيات التي ستضمن لهؤلاء الشباب فرصا تحفظ لهم كرامتهم وتجعلهم يبقون في وطنهم بدلا من السباحة نحو المجهول؟
إن الكرامة لا تطلب، بل تضمنها السياسات الرشيدة والتدابير الجادة، فهل تتحرك الحكومة قبل فوات الأوان؟ أم تظل شواطئ الفنيدق شاهدة على المزيد من المآسي؟