الاقتصاد الرقمي في المملكة المغربية تحت المجهر الضريبي
لطالما كان قانون المالية في أي دولة نافذة تكشف عن تطلعات الحكومات وأولوياتها الاقتصادية والاجتماعية، ومع ذلك، يصبح مشروع قانون المالية أكثر إثارة للجدل عندما يتضمن بنودا تحمل آثارا تمتد إلى كافة شرائح المجتمع، كما هو الحال مع مشروع قانون المالية لسنة 2025 في المملكة المغربية، المادة 70 مكرر، التي تحمل عنوان “الدخول والمكاسب الأخرى”، ليست مجرد تعديل قانوني، بل هي مؤشر على تحولات جذرية تستهدف الاقتصاد الرقمي الناشئ في المملكة، فهل نحن أمام خطوة لتعزيز العدالة الضريبية أم إجراء قد يثقل كاهل الابتكار؟
نصت المادة 70 مكرر على إخضاع كافة الدخول والمكاسب التي لا تتناسب مع التصنيفات الضريبية التقليدية للضريبة، مع التركيز على المداخيل الرقمية، هذه الخطوة، وفق رؤية الحكومة، تهدف إلى تقليص الفجوة الضريبية التي كانت تستفيد منها بعض الأنشطة الرقمية كصناعة المحتوى والإعلانات عبر الإنترنت.
يرى الخبراء أن هذه المادة تمثل امتدادا طبيعيا لتطور الاقتصاد الرقمي في المغرب، إذ تتطلب الأنشطة المربحة عبر الإنترنت، من إعلانات مدفوعة وشراكات تجارية ومكاسب ألعاب الحظ، معاملة ضريبية تواكب حجم عائداتها المتزايد.
من الناحية الاقتصادية، تعد هذه الخطوة ضرورية لتوسيع الوعاء الضريبي، خاصة في ظل التحديات المالية التي تواجهها المملكة لتغطية النفقات الاستثمارية المتزايدة، ومع ذلك، فإن الانتقادات تتركز على طبيعة هذه الإجراءات، حيث يخشى الخبراء أن يؤدي الضغط الضريبي المفرط إلى تهريب الأنشطة الرقمية إلى الخارج أو تعطيل الابتكار.
كما أن هناك تحديات تقنية متعلقة بمراقبة الدخول الرقمية، التي غالبا ما تكون مبهمة أو مرتبطة بمنصات أجنبية، وهنا تكمن ضرورة توفير أدوات متقدمة لرصد العائدات الرقمية مع الالتزام بحماية حقوق المستخدمين.
إذا تم تنفيذ هذه الإجراءات بحكمة، فقد تسهم في تعزيز العدالة الضريبية، من خلال تقليص التهرب الضريبي بين القطاعات التقليدية والحديثة، ومع ذلك، قد تواجه المملكة معضلة بين ضمان الامتثال الضريبي وبين الحفاظ على جاذبية بيئة الأعمال الرقمية.
إن مشروع قانون المالية لسنة 2025، وبالتحديد المادة 70 مكرر، هو بمثابة اختبار لقدرة المملكة على مواكبة التحولات الاقتصادية العالمية دون إغفال خصوصيات بيئتها المحلية.
نجاح هذا الإصلاح يعتمد على تبني مقاربة متوازنة، تجمع بين توسيع الوعاء الضريبي وضمان بيئة محفزة للابتكار والاستثمار، وبينما يثني البعض على هذا التوجه بوصفه خطوة نحو تعزيز العدالة الاقتصادية، يرى آخرون أنه قد يفتح الباب أمام تحديات قد تعرقل تحقيق أهدافه المرجوة.
يبقى السؤال، هل سيفلح المغرب في تحويل هذا الإجراء إلى نموذج يحتذى به في إدارة الاقتصاد الرقمي؟ أم أن التحفظات ستثبت أن كثرة الضرائب تقتل الضرائب؟