الأسرة القروية المغربية.. من قلب الإنتاج إلى دوامة الاستهلاك
في قلب التحولات السوسيو اقتصادية التي شهدتها الأوساط القروية بالمملكة المغربية، يبرز مقال الأستاذ عبد الرحيم عنبي، ليقدم لنا رؤية عميقة ومتأنية لمسار التغيرات التي طالت الأسرة القروية المغربية، محوّلة إياها من وحدة إنتاجية إلى وحدة استهلاكية.
في هذا المقال الأكاديمي، يسعى الدكتور عنبي إلى رسم خارطة دقيقة لمسار التحولات التي طرأت على الأسرة القروية، التي لطالما شكلت عمودا فقريا للإنتاج الاجتماعي والاقتصادي، كما يتناول كيف أن هذه الوحدة الأساسية، التي كانت تعتمد في الأساس على الإنتاج الزراعي والاكتفاء الذاتي، شهدت تغيرات جذرية نتيجة عوامل متعددة، أبرزها التوسع العمراني والتمدن، مما أدى إلى تحولها التدريجي نحو الاستهلاك.
عبر دراسة مستفيضة، يعرض المقال العلمي كيف أن الأسرة القروية التي كانت تعتمد في السابق على الإنتاج الزراعي والحرف اليدوية لتلبية احتياجاتها، باتت اليوم تعتمد بشكل كبير على السلع الاستهلاكية والخدمات، وهو ما يمثل تغيرا جذريا في نمط حياتها وطرق تعاملها مع المحيط.
ما يميز هذا المقال العلمي عن غيره من الدراسات السوسيولوجية هو تركيزه العميق على العلاقة بين التحولات الأسرية والتنمية المحلية، يطرح عنبي تساؤلات جوهرية حول كيفية فهم هذه التحولات من منظور علم الاجتماع القروي، مشيرا إلى أن فهم الديناميات المجتمعية في الأوساط القروية لن يتحقق إلا من خلال تحليل معمق للمعتقدات والتمثلات السائدة بين سكانها.
كما يناقش تأثير التغيرات الاقتصادية والاجتماعية على العلاقات التقليدية والقيم التي كانت تميز المجتمع القروي، فرغم مظاهر الحداثة التي بدأت تطغى على الحياة في القرى، إلا أن الكثير من هذه المجتمعات لا تزال تحتفظ بتقاليدها ومعتقداتها، مما يخلق نوعا من التوازن بين القديم والجديد.
يلفت المقال النظر إلى صراع خفي يجري بين نظامين للإنتاج، الأول، هو النظام المحلي التقليدي الذي يسعى للحفاظ على الاستمرارية والتقاليد، والثاني هو النظام الوافد الذي يفرض أنماطا جديدة من الإنتاج والاستهلاك، تتماشى مع التحولات الاقتصادية العالمية.
هذا الصراع يتجلى بشكل واضح في المناطق السهلية السقوية مثل تادلة، الغرب، وسايس، حيث أدت الاستثمارات الفلاحية الكبرى إلى استقطاب اليد العاملة من مختلف المناطق القروية، هذه الديناميات الجديدة لم تقتصر على تغيير البنية الاقتصادية فقط، بل امتدت إلى إعادة تشكيل العلاقات الاجتماعية والقيم العائلية، ما يعزز فكرة التحول من الإنتاج إلى الاستهلاك.
يأتي هذا المقال العلمي كإضافة مهمة للمكتبة السوسيولوجية المغربية، مقدما رؤية جديدة لفهم التحولات العميقة التي تشهدها الأوساط القروية، إن التغيرات التي يرصدها عنبي ليست مجرد انعكاسات للتحضر أو العولمة، بل هي جزء من مسار طويل ومعقد يربط بين الماضي والحاضر، ويعيد تشكيل مستقبل الأسرة القروية في المملكة.
في نهاية المطاف، يضعنا هذا المقال أمام تساؤلات جوهرية حول مستقبل القرى المغربية، هل ستتمكن هذه المجتمعات من الحفاظ على هويتها وسط هذه التحولات، أم أنها ستذوب تدريجيا في نمط الحياة الاستهلاكي الذي بات يطغى على الجميع؟