قضايا دولية

الأزمة السورية.. رؤية دولية للحل السياسي ومسار الاستقرار

شارك المقال

الدوحة – موراكوش

في تطور جديد يعكس تنامي الوعي الدولي والإقليمي بخطورة الأزمة السورية، اجتمع وزراء خارجية قطر، السعودية، الأردن، مصر، العراق، إيران، تركيا، وروسيا في العاصمة القطرية الدوحة، للتباحث حول مستقبل سوريا، وإيجاد حلول سياسية لإنهاء الصراع الذي ألقى بظلاله الكارثية على الشعب السوري وعلى استقرار المنطقة بأسرها.

منذ أكثر من عقد، تعيش سوريا واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والسياسية في التاريخ الحديث. ملايين اللاجئين، ودمار شامل للبنية التحتية، مع استمرار العمليات العسكرية والصراعات الجيوسياسية التي جعلت من سوريا ساحة لتصفية الحسابات الدولية، وكما أشار البيان المشترك الصادر عن اجتماع الدوحة، فإن الأزمة السورية لم تعد شأنا داخليا، بل أصبحت تهديدا مباشرا للأمن الإقليمي والدولي.

شكل الاجتماع فرصة لاستعراض نتائج مسار أستانا، حيث جرى التركيز على تفعيل الاتفاقيات المتعلقة بتخفيف التصعيد، إذ أعيد التأكيد على ضرورة التزام الأطراف المختلفة بوقف إطلاق النار، مع التركيز على محاربة الإرهاب بجميع أشكاله وصوره.

لا يمكن تجاهل أن غياب الالتزام بهذه الاتفاقات ساهم في استمرار المعاناة الإنسانية، حيث يواجه المدنيون في سوريا تحديات متزايدة تتمثل في غياب الأمن والغذاء والخدمات الأساسية.

أحد أبرز محاور الاجتماع كان التأكيد على ضرورة احترام قرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي يضع خارطة طريق للتسوية السياسية، بدءا بوقف إطلاق النار ووصولا إلى إطلاق حوار وطني شامل، ويعد هذا القرار أساسا لتحقيق انتقال سياسي يضمن وحدة سوريا وسيادتها، ويلبي تطلعات شعبها.

ولكن، كما هو الحال مع العديد من الأزمات الدولية، يبقى التنفيذ هو التحدي الأكبر، فمع تداخل المصالح الدولية والإقليمية في سوريا، يبقى ضمان الالتزام بالقرار الأممي رهينا بإرادة سياسية جماعية.

من الواضح أن البيان المشترك يحمل في طياته نوايا حسنة، لكنه يبرز أيضا تعقيدات الحل، فالعملية السياسية المنشودة تحتاج إلى بناء الثقة بين الأطراف السورية، وضمان مشاركة جميع المكونات دون إقصاء، مع دعم دولي فعّال يضمن تنفيذ الالتزامات.

كما أن العودة الطوعية للاجئين والنازحين تبقى من أبرز التحديات التي تواجه أي حل سياسي، فلا يمكن للسوريين العودة إلى ديارهم دون ضمانات أمنية واضحة وإعادة إعمار البنية التحتية، وهو ما يتطلب تعاونا دوليا وإقليميا على أعلى المستويات.

يبقى اجتماع الدوحة خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح، لكنه ليس النهاية، فالأزمة السورية معقدة بطبيعتها، وتحتاج إلى إرادة سياسية صلبة، وجهود دبلوماسية مستمرة، ودعم شعبي واسع لتحقيق الاستقرار.

السؤال الأهم الآن، هل ستتمكن الأطراف المعنية من ترجمة هذه الرؤية السياسية إلى واقع ملموس؟ أم ستبقى التصريحات والبيانات المشتركة حبرا على ورق في ظل تحديات الواقع؟

الأيام والأسابيع المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مسار الأزمة السورية، وبينما ينتظر العالم حلا سياسيا، يبقى الشعب السوري في قلب هذه الأزمة، يدفع الثمن الأكبر، ويأمل في غد أفضل.

م المهدي غرايبة

صحفي مهني وباحث في مجال الإعلام الرقمي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *