إشكالات وواقع مرير في مكافحة الفساد بالمملكة المغربية
على بعد عام واحد من انتهاء الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد 2015/2025، تظهر الأرقام والمؤشرات المقلقة التي رصدتها الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها في تقريرها لعام 2023، لتعيد طرح أسئلة محورية حول فعالية هذه الاستراتيجية، إذ تكشف المعطيات أن الفساد في المملكة لا يزال يتفشى في الإدارات والمؤسسات العمومية، مما يكلف البلاد ما يقارب 50 مليار درهم سنويا، في هذا السياق، يتعين علينا تقييم مدى نجاح هذه الاستراتيجية في تحقيق أهدافها المرسومة.
كشف التقرير عن تراجع واضح في تنقيط المغرب على مستوى مؤشرات الفساد، حيث شهدت السلطة التنفيذية تراجعا بمقدار 7 نقاط مقارنة بسنة 2022، وانخفاضا أكبر بلغ 16 نقطة مقارنة بسنة 2020، مما أدى إلى تراجع ترتيبه إلى المرتبة 118، أما السلطة التشريعية، فقد تراجعت هي الأخرى بواقع 7 نقاط، مما جعلها تنتقل من المرتبة 90 إلى المرتبة 106. في حين شهدت السلطة القضائية تراجعا أكثر حدة، حيث انخفض التنقيط بمقدار 19 نقطة، ليصبح ترتيبها في المرتبة 106 أيضا.
تقرير الهيئة الوطنية للنزاهة أظهر تراجعا ملحوظا في تصنيف المملكة على مؤشر مدركات الفساد، حيث حصلت على 38 نقطة من 100، ما يمثل تراجعا بخمس نقاط خلال السنوات الخمس الماضية، هذه الأرقام تشير إلى أن المملكة تعاني من أزمة في مكافحة الفساد، مما ينعكس سلبا على الثقة في مؤسساتها.
تنتقد بعض الهيئات الحقوقية والمدنية الحكومة الحالية، مشيرة إلى عدم وجود إرادة سياسية حقيقية للتصدي للفساد، فقد مرّ قرابة ثلاث سنوات دون أن تعقد اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد، التي يرأسها رئيس الحكومة، أي اجتماع، كما تسجل المعطيات غياب الجهود المنسقة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية المرسومة، مما يضع علامات استفهام حول الجدية في محاربة الفساد.
في هذا السياق، اعتبر محمد المسكاوي، رئيس الشبكة المغربية لحماية المال العام، أن مسؤولية تنفيذ مشاريع الاستراتيجية تقع على عاتق الحكومة، مشددا على أن الهيئة ليست مسؤولة عن تنفيذها، وأوضح أن العديد من المشاريع المهيكلة لا تزال في مرحلة الإعداد، مما يعكس تأخيرا في الاستجابة لمتطلبات النزاهة والشفافية.
من جهة أخرى، تبرز قضية الاعتقالات الأخيرة التي طالت مسؤولين سياسيين، حيث يعتبرها البعض ثمار جهود مؤسسات مستقلة، بينما ينظر إليها آخرون كمؤشر على فشل الحكومة في تحقيق تقدم فعلي في مجال مكافحة الفساد، إذ يظهر المسكاوي أن هذه الاعتقالات جاءت بناء على تقارير رسمية من المجلس الأعلى للحسابات، مما يشير إلى عدم فعالية الإجراءات الحكومية في محاربة الفساد.
في ظل هذه الأرقام والمعطيات السلبية، يتعين على الحكومة المغربية مراجعة سياساتها واستراتيجياتها في مجال مكافحة الفساد، فعدم وجود إرادة سياسية حقيقية وغياب التنسيق بين الجهات المعنية يشكلان عقبة أمام تحقيق الأهداف المرجوة، إن تعزيز النزاهة والشفافية يتطلب جهودا متكاملة وشاملة، بالإضافة إلى تفعيل دور المجتمع المدني وإشراك جميع الفاعلين في هذا المجال، ولتكون المملكة نموذجا يحتذى به في مكافحة الفساد، يجب أن تكون هناك خطوات ملموسة وإرادة قوية لتجفيف منابع الفساد واستعادة الثقة في مؤسسات الدولة.