سياسة

أغنى حكومة في تاريخ الولايات المتحدة تعيد تشكيل المشهد السياسي

شارك المقال

عاد دونالد ترامب إلى واجهة المشهد السياسي الأميركي ليس فقط بشخصيته المثيرة للجدل، بل أيضا بإدارته الجديدة التي توصف بأنها الأغنى في تاريخ الولايات المتحدة. إدارة تضم أصحاب مليارات وملايين يشغلون مناصب استراتيجية، ما يثير تساؤلات حول تأثير هذه الثروات الهائلة على توجهات السياسة العامة ومستقبل الطبقات العاملة والفئات الأكثر ضعفا.

تقدر الثروة الإجمالية لأعضاء حكومة ترامب لعام 2024 بنحو 340 مليار دولار، متجاوزة بكثير الرقم القياسي الذي سجلته إدارته الأولى في 2016، والتي كانت أغنى حكومة في تاريخ البلاد حينها، وتضم هذه الإدارة شخصيات بارزة، مثل وزير الخارجية الأسبق ريكس تيلرسون، ووزير التجارة ويليبر روس.

الجديد في هذه الإدارة هو بروز أسماء مثل إيلون ماسك، أغنى رجل في العالم ورائد الأعمال وراء “تسلا” و”سبيس إكس”، وفيفيك راماسوامي، الذي تقدر ثروته بأكثر من مليار دولار، وعيّن ترامب ماسك لقيادة وزارة جديدة تهدف إلى تحسين كفاءة الحكومة وتقليص الإنفاق العام، في خطوة يعتبرها كثيرون تجسيدا لفلسفة ترامب الاقتصادية القائمة على تعزيز القطاع الخاص وتقليل دور الحكومة.

على الرغم من أن حملة ترامب ركزت تاريخيا على دعم الطبقة العاملة واستهداف النخب السياسية، فإن تعيين مجموعة من الأثرياء البارزين يتناقض مع هذا الخطاب، يشير النقاد إلى أن سياسات هذه الحكومة قد تتجه نحو تقليص الإنفاق على الخدمات العامة، مما قد يؤثر سلبا على الفئات الأكثر ضعفا.

ماسك، على سبيل المثال، وعد بتقليص نحو تريليوني دولار من الموازنة الوطنية، دون تقديم تفاصيل كافية حول الكيفية أو الإطار الزمني لتحقيق ذلك، ورغم وعوده بتقليص “الإنفاق غير الضروري”، فإنه حذر من أن هذا قد يؤدي إلى “مصاعب اقتصادية مؤقتة”، ما يثير مخاوف بشأن تأثير هذه السياسات على الأسر ذات الدخل المحدود.

بالمقارنة، تقدر الثروة الإجمالية لحكومة الرئيس جو بايدن بـ 118 مليون دولار فقط، مما يجعلها تبدو “فقيرة” مقارنة بإدارة ترامب، ورغم أن ترامب سخر مرارا من إدارة بايدن ووصفها بأنها “النخبة الحاكمة الفاسدة”، فإن الانتقادات توجه الآن نحو ترامب نفسه بسبب التناقض بين خطابه المناصر للعمال وسياسته التي تمنح الأثرياء نفوذا واسعا في الحكومة.

يثير تشكيل حكومة بهذه الثروة الهائلة تساؤلات حول دور المال في السياسة الأميركية، في حين يرى البعض أن الثروات الشخصية لأعضاء الحكومة قد تجعلهم أقل عرضة للفساد وأقدر على اتخاذ قرارات صعبة، يشير آخرون إلى مخاطر تضارب المصالح وتأثير القرارات الحكومية على تعزيز مصالح نخبة الأثرياء.

علاوة على ذلك، تعكس هذه الإدارة تحولا في تعريف “النخبة السياسية” في الولايات المتحدة، حيث أصبح أصحاب المليارات هم الوجه الجديد للحكم، في تناقض واضح مع التركيبة التقليدية التي تمثل خلفيات متنوعة اجتماعيا واقتصاديا.

تظل الأسئلة حول قدرة هذه الحكومة على تحقيق التوازن بين المصالح الاقتصادية والسياسات العامة قائمة، وبينما يؤكد ترامب أن حكومته ستعمل على تعزيز الكفاءة الاقتصادية، يخشى الكثيرون أن تتحول هذه الإدارة إلى رمز آخر لتعميق الفجوة بين الأثرياء وبقية المجتمع.

إدارة ترامب 2024 ليست مجرد عودة لرئيس مثير للجدل، بل هي أيضا إعلان عن حقبة جديدة من السياسة الأميركية، حيث الثروة الهائلة ليست فقط مصدرا للنفوذ، بل أيضا أداة لإعادة صياغة المشهد السياسي والاقتصادي في البلاد. كيف سيؤثر ذلك على الأميركيين العاديين؟ الإجابة قد تكشفها السنوات القادمة.

م المهدي غرايبة

صحفي مهني وباحث في مجال الإعلام الرقمي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *