أزمة القيم وتحديات النخبة في المملكة المغربية
في أقل من شهر، شهدت المملكة المغربية سلسلة من الأحداث المتلاحقة التي تكشف عن أزمة فكرية وأخلاقية تزداد عمقا يوما بعد يوم، هذه القضايا، التي قد تبدو منفصلة في ظاهرها، تشير إلى تحول مقلق في مرجعيات النخب السياسية والثقافية، وتهدد بإضعاف القيم التي لطالما كانت مصدر قوة هذا الوطن.
كانت البداية مع زعيمة سياسية من التيار اليساري الجديد، التي طالبت من تحت قبة البرلمان بأن يتناول خطباء الجمعة قضية الجهاد نصرة لفلسطين، وبينما لا يشك أحد في صدق نواياها، إلا أن اختيارها لمصطلحات مثل “الجهاد” و”الفتح” أثار استغرابا واسعا، خصوصا أن هذه المفاهيم تنتمي إلى مرجعيات دينية، لا إلى الأدبيات اليسارية التي تتحدث عن النضال بأشكاله المدنية والسياسية.
ثم جاء تصريح وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الذي وصف المملكة بأنها بلد علماني، مما أثار موجة من الجدل حول معنى هذا الوصف ومكانته في سياق دولة تعتمد مؤسسة إمارة المؤمنين كمرجعية دينية، تصريح الوزير، مهما كانت نواياه، أظهر تناقضا بين ما يقدمه كمسؤول عن الشأن الديني وما يتوقعه المغاربة من قيادة مؤسساتهم الدينية.
أما ثالثة القضايا، فكانت المشهد غير المسبوق لوزير التعليم الجديد، الذي واجه صعوبة في الإجابة على أسئلة البرلمان باللغة العربية، مكتفيا بالرد كتابيا، التعليم، الذي يفترض أنه حجر الأساس لأي نهضة، بات اليوم في يد قيادة تفتقر إلى الحد الأدنى من الخبرة والمعرفة بقضايا القطاع، كيف يمكن أن نتوقع إصلاح التعليم إذا كان القائمون عليه عاجزين عن مخاطبة الأمة بلغتها؟
القضية الأخيرة والأكثر إثارة كانت المقال الذي نشره أحمد الشرعي في تايمز أوف إسرائيل، حيث انتقد المحكمة الجنائية الدولية لدورها في ملاحقة قادة إسرائيليين متهمين بجرائم حرب، ما أثار الغضب ليس الموقف بحد ذاته، بل حقيقة أن الشرعي، الذي لم يعرف عنه الاهتمام بالقضايا الوطنية أو الإنسانية، اختار الدفاع عن قادة الاحتلال الإسرائيلي.
هذه الأحداث ليست مجرد وقائع منعزلة، بل هي انعكاس لأزمة عميقة في الفكر والقيم، ما يحتاجه المغرب اليوم هو مراجعة جادة لدور النخب السياسية والثقافية، وإعادة بناء منظومة الأخلاق والمبادئ التي طالما شكلت عماد المجتمع.
إن التقدم في البنية التحتية والاقتصاد لا يكفي إذا كان يقابله تراجع في القيم وضعف في القيادات، الأوطان تبنى على رؤى واضحة، وأجيال تؤمن بمسؤوليتها تجاه المستقبل، وقيم تستمد قوتها من تاريخها وهويتها، المملكة، التي طالما كانت نموذجا في التعايش والتوازن، تحتاج اليوم إلى نخب تعيد إليها بريقها وتجعل من قيمها مصدر قوتها.